الإمام الفقيه والفصيح ( الحسن البصري ) (1) سيرته .

جمانة

مشرفه سابقه
إنضم
10 مارس 2009
المشاركات
1,745
مستوى التفاعل
53
النقاط
48
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-color:gray;border:4px solid white;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][/ALIGN]
[ALIGN=center][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-color:gray;border:4px solid white;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي / حياكم الله في هذا المتصفح العاطر بسيرة الإمام
والفقيه والعالم ( الحسن البصري ) .
هنا سيكون بداية سلسلة لحياة الإمام والفقيه الحسن البصري المليئة بالمواقف المؤثرة وشمائلة الطيبة وعلمه النافع ، التي ما إن نقرأ عنها إلا ونطلب معرفة المزيد والمزيد ..!
وسنكملها بقبسات من مواعظه القيمة ، وسنقف على أساليبه الأدبية لهذه المواعظ ،متصفح آخر بإذن الله
، آمل من الحاضرين ألا يبخلوا علينا بالمشاركة ولو بموعظة واحدة ، وجزى الله القارئ والمشارك خير الجزاء




[sor2]http://i.imgur.com/Jou2i.jpg[/sor2]

الحسن البصري
المولد/ ١٢هـ / ٦٤٣م
المدينة المنورة
الوفاة / ١١٠هـ / ٧٢٨م
البصرة
المذهب / أهل السنة والجماعة .

الحسن بن الحسن البصري إمام وعالم من علماء أهل السنة والجماعة يكنى بـأبى سعيد
ولد قبل سنتين من نهاية خلافة عمر بن الخطاب في المدينة عام واحد وعشرين من الهجرة،
كانت أم الحسن تابعة لخدمة أم سلمة، فترسلها في حاجاتها فيبكي الحسن وهو طفل فترضعه أم سلمة لتسكته وبذلك رضع من أم سلمة، وتربى في بيت النبوة. كانت أم سلمة تخرجه إلى الصحابة فيدعون له،
ودعا له عمر بن الخطاب، فقال "اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس".
حفظ الحسن القرآن في العاشرة من عمره.


صفاته وشمائله


iLonk.jpg


كان الحسن البصري حسن الصورة، بهي الطلعة، وكان عظيم الزند ..
قال محمد بن سعد "كان الحسن فقيها، ثقة، حجة، مأمونا، ناسكا، كثير العلم، فصيحا، وسيما". وكان من الشجعان الموصوفين في الحروب، وكان المهلب بن أبي صفرة يقدمهم إلى القتال، واشترك الحسن في فتح كابور مع عبد الرحمن بن سمرة.

قال أبو عمرو بن العلاء: "ما رأيت أفصح من الحسن البصري".

وقال الغزالي: "وكان الحسن البصري أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء، وأقربهم، هديا من الصحابة، وكان غاية الصحابة تتصبب الحكمة فيه".

كان الحسن كثير الحزن، عظيم الهيبة، قال أحد الصحابة: "ما رأيت أحدا أطول حزنا من الحسن، ما رأيته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة".

كان يقول : نضحك ولا ندري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا. فقال: لا أقبل منكم شيئًا ، ويحك يا ابن آدم، هل لك بمحاربة الله طاقة؟ إن من عصى الله فقد حاربه، والله لقد أدركت سبعين بدريًا ، لو رأيتموهم قلتم مجانين، ولو رؤوا خياركم لقالوا ما لهؤلاء من خلاق، ولو رؤوا شراركم لقالوا: ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب.

قال حمزة الأعمى: وكنت أدخل على الحسن منزله وهو يبكي، وربما جئت إليه وهو يصلي فأسمع بكاءه ونحيبه فقلت له يومًا : إنك تكثر البكاء، فقال: يا بني، ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبكِ؟ يا بني إن البكاء داع إلى الرحمة. فإن استطعت أن تكون عمرك باكيا فافعل، لعله تعالى أن يرحمك. ثم ناد الحسن: بلغنا أن الباكي من خشية الله لا تقطر دموعه قطرة حتى تعتق رقبته من النار.

عن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي.

أما عن سبب حزنه فيقول الحسن رحمه الله: "يحق لمن يعلم أن الموت مورده، وأن الساعة موعده، وأن القيام بين يدي الله تعالى مشهده، أن يطول حزنه".

روى الطبراني عنه أنه قال: إن قومًا ألهتهم أماني المغفرة، رجاء الرحمة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم أعمال صالحة. يقول أحدهم: إني لحسن الظن بـالله وأرجو رحمة الله، وكذب، ولو أحسن الظن بـالله لأحسن العمل لله، ولو رجا رحمة الله لطلبها بالأعمال الصالحة، يوشك من دخل المفازة (الصحراء) من غير زاد ولا ماء أن يهلك .

وجاء شاب إلى الحسن فقال: أعياني قيام الليل (أي حاولت قيام الليل فلم أستطعه)، فقال: قيدتك خطاياك. وجاءه آخر فقال له: إني أعصي الله وأذنب، وأرى الله يعطيني ويفتح علي من الدنيا، ولا أجد أني محروم من شيء فقال له الحسن: هل تقوم الليل؟ فقال: لا، فقال: كفاك أن حرمك الله مناجاته.

كان يقول: من علامات المسلم قوة دين، وجزم في العمل وإيمان في يقين، وحكم في علم، وحسن في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتحمل في فاقة (جوع) وإحسان في قدرة، وطاعة معها نصيحة، وتورع في رغبة، وتعفف وصبر في شدة. لا ترديه رغبته ولا يبدره لسانه، ولا يسبقه بصره، ولا يقلبه فرجه، ولا يميل به هواه، ولا يفضحه لسانه، ولا يستخفه حرصه، ولا تقصر به نغيته.

قال له رجل: إن قومًا يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة فيك سبيلاً (أي يتصيدون الأخطاء). فقال: هون عليك يا هذا، فإني أطمعت نفسي في الجنان فطمعت، وأطمعتها في النجاة من النار، فطمعت، وأطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلاً، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم؟.

سُئل الحسن عن النفاق فقال: هو اختلاف السر والعلانية، والمدخل والمخرج، ما خافه إلا مؤمن (أي النفاق) ولا أمنه إلا منافق.

وكان الحسن البصري يصوم الأيام البيض، والأشهر الحرم، والإثنين والخميس.


قالوا عن الحسن
سُئل أنس بن مالك عن مسألة فقال: سلوا مولانا الحسن، قالوا: يا أبا حمزة نسألك، تقول: سلوا الحسن؟ قال: سلوا مولانا الحسن. فإنه سمع وسمعنا فحفظ ونسينا. وقال أيضاً: إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين الحسن البصري ومحمد بن سيرين.

وقال قتادة: وما جالست رجلاً فقيهًا إلا رأيت فضل الحسن عليه، وكان الحسن مهيبًا يهابه العلماء قبل العامة.


علمه
لقد كان الحسن أعلم أهل عصره، يقول قتادة: "ما جمعت علمه إلى أحد العلماء إلا وجدت له فضلا عليه، غير أنه إذا أشكل عليه كتب فيه إلى سعيد بن المسيب يسأله، وما جالست فيها قط فضل الحسن".

[img3]http://i.imgur.com/3tuKD.jpg[/img3]
كان للحسن مجلسان للعلم: مجلس خاص بمنزله، ومجلس عام في المسجد يتناول فيه الحديث والفقه وعلوم القرآن واللغة وغيرها وكان تلاميذه كثر.

رأى الحسن عددًا كبيرًا من الصحابة وروى عنهم مثل النعمان بن بشير، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وأنس رضوان الله عليهم، ونتيجة لما سبق فقد لقبه عمر بن عبد العزيز بسيد التابعين حيث يقول: "لقد وليت قضاء البصرة سيد التابعين". أما السيدة عائشة رضى الله عنها وعندما سمعته يتكلم قالت: (من هذا الذي يتكلم بكلام الصديقين؟).

من مواقف الحسن البصري
عاش الحسن الشطر الأكبر من حياته في دولة بني أمية، وكان موقفه متحفظاً على الأحداث السياسية، وخاصة ما جرّ إلى الفتنة وسفك الدماء، حيث لم يخرج مع أي ثورة مسلحة ولو كانت باسم الإسلام، وكان يرى أن الخروج يؤدي إلى الفوضى والإضطراب، وفوضى ساعة يرتكب فيها من المظالم ما لا يرتكب في استبداد سنين، ويؤدي الخروج إلى طمع الأعداء في المسلمين، ولأن الناس يخرجون من يد ظالم إلى ظالم، وإن شق إصلاح الحاكم فما زال إصلاح المحكومين يسير[بحاجة لمصدر]. أما إن كان الحاكم ورعاً مطبقاً لأحكام الله مثل عُمر بن عبد العزيز، فإن الحسن ينصح له، ويقبل القضاء في عهده ليعينه على أداء مهمته.

كتب الحسن لعمر بن عبد العزيز ينصحه فقال: "فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد أئتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال وشرد العيال، فأفقر أهله وبدد ماله". ولقد عنف الحسن البصري طلبة العلم الشرعي الذين يجعلون علمهم وسيلة للاستجداء فقال لهم: "والله لو زهدتم فيما عندهم، لرغبوا فيما عندكم، ولكنكم رغبتم فيما عندهم، فزهدوا فيما عندكم".

وفاته
توفي الحسن عشية يوم الخميس في أول رجب سنة عشر ومئة للهجرة وعاش ثمان وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة، صلى عليه المسلمون عقب صلاة الجمعة بـالبصرة.



4jKcN.jpg


من مواعظ الحسن البصري :

يا ابن آدم
إذا رأيت الرجل ينافس في الدنيا..
فنافسه في الآخرة

يا ابن آدم
نزّه نفسك
فإنك لا تزال كريما على الناس
و لا يزال الناس يكرمونك ..
ما لم تتعاط ما في أيديهم
فإذا فعلت ذلك :
استخفّوا بك
و كرهوا حديثك
و أبغضوك

أيها الناس:
أحبّوا هونا
و أبغضوا هونا
فقد أفرط أقوام في الحب..
حتى هلكوا
و أفرط أقوام في البغض ..
حتى هلكوا .

جُمع من عدة مصادر .
ولنا لقاء - بإذن الله - في متصفح آخر مع مواعظ الحسن البصري وأساليبه الأدبية لمواعظه .
وقتًا ممتعًا وقراءة نافعة .

شجون
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
 

حكاية روح

مشرفة منتدى الصور
إنضم
25 يونيو 2011
المشاركات
9,345
مستوى التفاعل
283
النقاط
83
الإقامة
خريف الذكريات
وعليكم السلام والرحمه

رآئعة أنت يا شجون
سيرة عطره وتستحق الوقوف والقراءة
لي عودة بعد قراءة تلك السيرة الشامخه

تحياتي وتقديري لك ولجهودك ^^
 

جمانة

مشرفه سابقه
إنضم
10 مارس 2009
المشاركات
1,745
مستوى التفاعل
53
النقاط
48
وعليكم السلام والرحمه

رآئعة أنت يا شجون
سيرة عطره وتستحق الوقوف والقراءة
لي عودة بعد قراءة تلك السيرة الشامخه

تحياتي وتقديري لك ولجهودك ^^

حيّاك الله وبيَّاك ياحبيبة .
وأرحب بك أجمل ترحيب فحضورك غالي وحرفك عاطر ،
ممتنة لمسة .
*
 

أبومهند

مراقب منتديات التعليم والتطوير
إنضم
21 أغسطس 2007
المشاركات
10,826
مستوى التفاعل
67
النقاط
48
بوركت جهودك شجون , وييالها من سيرة عطرة لهذا التابعي الفصيح العالم صاحب السيرة العطرة .
 

جمانة

مشرفه سابقه
إنضم
10 مارس 2009
المشاركات
1,745
مستوى التفاعل
53
النقاط
48
بوركت جهودك شجون , وييالها من سيرة عطرة لهذا التابعي الفصيح العالم صاحب السيرة العطرة .

حيَّاك الله وبيَّاك أستاذي القدير أبامهند ، وبورك فيك أيضًا .
ممتنة لك ولحضورك الكريم .
 

احسان الظن

مشرف سابق
إنضم
18 مارس 2008
المشاركات
6,598
مستوى التفاعل
218
النقاط
63
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الإمام الحسن البصري نبراس علم في التقوى والورع والزهد
ومشعل وهّاج لا ينطفئ


حيث لم يخرج مع أي ثورة مسلحة ولو كانت باسم الإسلام، وكان يرى أن الخروج يؤدي إلى الفوضى والإضطراب، وفوضى ساعة يرتكب فيها من المظالم ما لا يرتكب في استبداد سنين، ويؤدي الخروج إلى طمع الأعداء في المسلمين، ولأن الناس يخرجون من يد ظالم إلى ظالم

كثير من العلماء كانوا ضد الثورات التي ظهرت في بعض البلاد العربية
لأنهم يرون ما يراه الإمام الحسن , ويدركون نتاجها
,,,,,,,,,,,,,


شجون .. اختيار راقي ونافع , بارك الله فيك

 

حكاية روح

مشرفة منتدى الصور
إنضم
25 يونيو 2011
المشاركات
9,345
مستوى التفاعل
283
النقاط
83
الإقامة
خريف الذكريات
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-image:url('http://www.banimalk.net/vb/backgrounds/21.gif');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-color:white;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
الحسن البصري


السلام على من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته

اسمحي لي عزيزتي شجـون .,. بهذه المقتطفات من السيرة الذهبية لهذا العالم .,.


.

download.php


كان الحسن رحمه الله في خلقته رجلاً جميلاً وسيماً ،
قال محمد بن سعد يصفه : كان الحسن رحمه الله جامعاً ، عالماً ، رفيعاً ، فقيهاً ، ثقةً ، حجةً ، مأموناً ، عابداً ، ناسكاً ، كثيرَ العلم ، فصيحاً ، جميلاً ، وسيماً .
و قال الذهبي : قلت : كان رجلاً تامَّ الشكل ، مليحَ الصورة ، بهياً ، و كان من الشجعان الموصوفين.
و قال أبو عمرو بن العلاء : نشأ الحسن بـوادي القرى ، و كان من أجمل أهل البصرة ، حتى سقط عن دابته فحدث بأنفه ما حدث .
و قال الشعبي لرجل يريد قدوم البصرة : إذا نظرت إلى رجل أجـمل أهل البصرة ، و أهيبهم ، فهو الحسن ، فأقرئه مني السلام .
و قال الأصمعي عن أبيه "ما رأيت زنداً أعرض من زند الحسن البصري ، كان عرضه شبراً "
و هذا يدل على اكتمال خلقته و قوته و جسمه رضي الله عنه ورحمه .



download.php


كان يرافق بعض المشهورين بالشجاعة ، كـقَطَرِي بن الفجاءة ، و المهلب بن أبي صُفْرة ؛ و لذلك تعلم الشجاعة و تربى عليها .
قال هشام بن حسان : كان الحسن أشجع أهل زمانه.



download.php


و قال جعفر بن سليمان : كان الحسن من أشد الناس ، و كان المهلب إذا قاتل المشركين يقَدِّمُه .
فهذه ميزة في الحسن رحمه الله ،
و هو معروف برقة القلب و بالوعظ ،
و لو سألت إنساناً و قلت له: ما هو انطباعك عن الحسن ؟
فسيقول لك : هو زاهد و واعظ .
و هذا صحيح ؛ لكنه قلَّما يُعرف بأن الحسن كان رجلاً شجاعاً مقداماً مقاتلاً ، و كان يُقَدَّم في القتال ، كان قوي البنية ، شديد البأس ، و هذا يدل على أن الإنسان الزاهد الواعظ ليس من طبعه الضعف ، و لا تلازم بين ضعف البدن و الزهد و أن يكون واعظاً ، فقد يكون الإنسان واعظاً رقيق القلب ، و هو من أشجع الشجعان ، و لا تعني الشجاعة و قوة الجسد غلظة القلب بالضرورة أبداً . كما أن رقة القلب و كثرة البكاء من خشية الله تعالى و الوعظ لا تعني أن الواعظ يجب أن يكون ضعيف البدن ، ل ا. فهذا الحسن رحمه الله قوي البنية ، و مع ذلك فهو رقيق القلب للغاية .
و أما من جهة الجهاد، فإنه رحمه الله كان كثير الجهاد و يخرج للقتال ، و لذلك لا انفصام بين العالم و المجاهد ، لا انفصام بين الوعظ و الجهاد ، كلها أمور تجتمع في شخصيات السلف رحمهم الله .



download.php


أما فصاحته و بلاغته ، فإنه رحمه الله تعالى كان فصيحاً بليغاً .
قال حماد بن زيد : سمعت أيوب يقول : كان الحسن يتكلم بكلام كأنه الدر ، فتكلم قوم من بعده بكلام يخرج من أفواههم كأنه القيء .
و هذا الفرق بين من يخرج كلامه من القلب بنور الكتاب و السنة ، و بين من يخرجه بتكلف كأنه يقيء قيئاً .
و قال أبو عمرو بن العلاء : ما رأيت أفصح من الحسن البصري ، و من الحجاج بن يوسف الثقفي ، فقيل له: فأيهما كان أفصح؟ قال: الحسن .
و قال له رجل: أنا أزهد منك و أفصح ، قال [ أما أفصح فلا ] - الزهد لا أزكي نفسي به ؛ أما الفصاحة فنعم - ..
قال : فخذ عليَّ كلمة واحدة ، قال [ هذه ] . أي: التي أنت قلتها الآن.
و قيل للحجاج : من أخطب الناس ؟ قال : صاحب العمامة السوداء بين أخصاص البصرة . يعني: الحسن رحمه الله تعـالى .




download.php


و من جهة لباسه و زينته و طعامه ربما يظن بعض الناس أن الحسن عندما كان واعظاً ، أنه يلبس أسمالاً بالية و ثياباً مرقعة ؛ و لكن الرجل كان جيد اللباس ، ليس عنده تعارض بين الزهد و بين جودة اللباس و جماله ،
فقال ابن عُلَي عن يونس : كان الحسن يلبس في الشتاء قباءً حِبَرَة ، و طيلساناً كردياً ، و عمامة سوداء ، و في الصيف إزارَ كتَّانٍ ، و قميصاً ، و برداً حِبَرَة .
و قال أيوب : ما وجدتُ ريح مرقة طُبِخَت أطيب مِن ريح قِدر الحسن .
و قال أبو هلال : قلَّما دخلنا على الحسن ، إلا و قد رأينا قِدراً يفوح منه ريح طيبة .
و كان يأكل الفاكهة ، فلم يكن الحسن صوفياً مثل هؤلاء الصوفية الذين يتعمدون أن يُرى عليهم اللباس البالي و المرقع ، و لا يأكلون اللحم و لا الفاكهة ،
بل كان يعتني بأمر حاله ، و يتجمل لإخوانه ، كيف و هو يُغْشَى ؟!
فالواحد إذا كان لوحده ربما يلبس ما شاء ، لكن إذا كان يتصدى للناس ، و يأتونه و يسألونه ، و يقتربون منه ، و يجلسون حوله ، فلا بد أن يكون طيب الرائحة ، حسن الثياب ، يتجمل للناس ، حتى يحبوه .
و لذلك كان النبي صلى الله عليه و سلم في الأعياد و الجُمع يتزين . أرْسِلَت إليه جُبَّة، فعرض عليه عمر رضي الله عنه أن يلبسها و يتزين بها للوفود ؛ لأن الناس يهتمون بالمظاهر ، و لا يناسب أن يكون العالم مظهره رث ، و هيئته بالية ، و رائحته غير طيبة ، و ثيابه غير نظيفة ،
بل إنه يكون نظيف الثياب ، طيب الرائحة ؛ لأنه يُغْشَى و يُخْتَلَط به ،
و هكذا يجب أن يكون الدعاة إلى الله الذين يأتون إلى الناس و يخالطونهم ، فيجب أن يكون أحدهم كالشامة بين الناس ، لا بأس أن يكون ثوب أحدهم حسناً ، و نعله حسنة ، و رائحته طيبة ، و ثيابه مرتبة ،
لكن الإنكار على مَن أسرف ، ( كُلْ ما شئت ، و البس ما شئت ، ما أخطأتك خصلتان : سَرَفٌ ، و مخيلة )
المشكلة في السَّرَف و الخُيَلاء ، و إضاعة الأموال في التوافه ، و وضع المال في شيء لا يستحق ؛ كالمبالغة في الزينة ، و الزخرفة .
قال قتادة : دخلنا على الحسن و هو نائم ، و عند رأسه سَلَّة ، فجذبناها ؛ فإذا فيها خبز و فاكهة ، فجعلنا نأكل ، فانتبه - أي : من النوم - فرآنا ، فتبسم - ارتاح جداً أن يرى إخوانه يأكلون من طعامه ؛ لأنه يؤجر - و هو يقرأ: ( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) [النور:61] إشارة إلى الآية التي فيها ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ ... ) [النور:61] إلى أن قال: ( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) [النور:61]
فإذا علمت أن صديقك يرضى إذا أكلتَ من بيته ، و لو كان غير موجود ، أو بدون إذن ، فلا يحتاج الأمر إلى إذن ، لا يشترط إذن الصديق إذا أذن لك في بيته أن تأكل منه ، فلو أعطاك مفتاح البيت و أذن لك بدخوله ، و أنت تعلم أنه يرضى أن تأكل من طعامه ، فلا حرج عليك أن تفتح الثلاجة و تأكل من طعامه مما هو موجود في البيت دون إفساد ،
و هذا الحسن رحمه الله لما رأى إخوانه يأكلون من فاكهته و هو نائم سره ذلك ، و قرأ الآية ( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) [النور:61] .

و عن جرثومة قال : رأيت الحسن يُصفِّر لحيته في كل جمعة .
و قال أبو هلال رأيت الحسن يغير بالصفرة .
فمن السنة تغيير الشيب بالحناء.. بالكتم ، و الصفرة شيء إلى الحمرة ، أو اللون البني لا بأس بذلك ،
فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (غيِّر الشيب و جنبوه السواد )
و ( نهى عن الخضاب بالسواد )
و ( ليأتين أقوام في آخر الزمان يخضبون بالسواد لهم حواصل كحواصل الحمام لا يدخلون الجنة و لا يريحون ريحها ) و حوصلة الحمامة: مثلما يكون من هذا الشكل الهلالي ، الذي يجعلونه في اللحى من العبث بها ، بحيث يكون هيئتها كحوصلة الحمامة ، و يصبغونها بالسواد ، فيكون سوءاً على سوء .
فهذا الحسن رحمه الله كان يغير الشيب ، و نحن نُهينا عن نتف الشيب ؛ لأن كل شعرة بيضاء تكون لصاحبها نوراً يوم القيامة إذا شاب في طاعة الله ، فإذا ظهر له الشيب فإنه يفرح؛ لأنه يكون له نوراً يوم القيامة إذا شاب في طاعة الله ، و هذا من مراعاة النفس ؛ لأن النفس تكره الشيب ، فلما نهينا عن نتفه رُخِّص لنا بصبغه و تغييره بغير الأسود .



download.php


أما بالنسبة لعبادته رحمه الله ، و خشيته لله ، و تقشفه ،
فإنه مع كونه جيد الملبس و المطعم ، لكنه كان زاهداً ،
كان يصوم أيام البيض ، و الإثنين و الخميس ، و أشهر الحرم .
و حكى ابن شوذب عن مطر قال : "دخلنا على الحسن نعوده فما كان في البيت شيء - لا فراش ، و لا بساط ، و لا وسادة ، و لا حصير - إلا سريراً مرمولاً هو عليه ، حَشْوُهُ الرمل " و السرير المرمول : الذي نسج وجهه بالسعف ، و لم يكن على السرير وطاء سوى الحصير ، فيسمى مرمولاً .
و قال حمزة الأعمى : ذهبت بي أمي إلى الحسن ، فقالت: يا أبا سعيد ! ابني هذا قد أحببت أن يلزمك ، فلعل الله أن ينفعه بك ،
قال : فكنتُ أختلف إليه ، فقال لي يوماً : [ يا بني! أدم الحزن على خير الآخرة لعله أن يوصلك إليه ، و ابكِ في ساعات الليل و النهار في الخلوة لعل مولاك أن يطَّلع عليك فيرحم عبرتك فتكون من الفائزين ] - هذه الوصية بالبكاء من خشية الله ، و دمع العين من هيبة الله تعالى و خوفه - و كنت أدخل على الحسن منزله و هو يبكي - لم يكن يأمر الناس بالشيء و هو لا يفعل ، بل كان يقول و يفعل ، و يفعل قبل أن يقول - و ربما جئت إليه و هو يصلي ، فأسمع بكاءه و نحيبه ، فقلت له يوماً : إنك كثير البكاء - دائماً تبكي - فقال : [ يا بني! ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبكِ ،
يا بني! إن البكاء داع إلى الرحمة ، فإن استطعت أن تكون عمرك باكياً فافعل ، لعله تعالى أن يرحمك ، فإذا أنت نجوت من النار ] إذا رحمك ستجد نفسك قد نجوت من النار .
قال إبراهيم اليشكري : "ما رأيت أحداً أطول حزناً من الحسن ، ما رأيته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة " . كأنه الآن قبل قليل جرت عليه مصيبة .
و قال أحد مَن رآه : " لو رأيتَ الحسن ، لقلتَ : قد بُث عليه حزن الخلائق " . أي : جُمِعَتْ عليه .
و قال يزيد بن حوشب : "ما رأيت أحزن من الحسن و عمر بن عبد العزيز ، كأن النار لم تخلق إلا لهما ، و كانا قليل الضحك و المزاح . لأنه إذا كان كثير البكاء من خشية الله فإن ذلك و لا شك سيؤثر في مزاحه و ضحكه ، فمن كان كثير البكاء كان قليل الضحك ، و من كان كثير الخشية و الهيبة كان قليل المزاح .




download.php


و من حسن خلقه :
أنه كان سمحاً في بيعه و شرائه ، فكان إذا اشترى شيئاً و كان في ثمنه كسر جبره لصاحبه ، مثل الآن لو واحد استرى بريال إلا ربع فيترك الربع للبائع، أو بريال و نصف فيترك النصف للبائع ، و ما ذاك إلا من طيب خلقه ، لا يدقق و يفتش و يأخذ الكسور ،
و إذا اشترى السلعة بدرهم ينقص دانقاً -لأن الدرهم يقسم إلى دوانق ، و الدانق بعض الدرهم - كمَّله درهماً ، يقول : خذ الدرهم كاملا ً، أو بتسعة و نصف كمله عشرةً مروءةً و كرماً .
والآن بعض الناس يقولون : هناك صناديق للهيئات الخيرية في البقالات ، الهيئة الخيرية أولى من صاحب البقالة ، و هذا جيد و طيب ، يأخذ هذه القروش و يضعها في هذا الصندوق من صناديق التبرعات ، و هذا جيد أنه يجود بهذه الكسور لله تعالى .
رأيت مرة منظراً غريباً في أحد البقالات الكبيرة : أجنبي كافر أعطى البائع الريالات و أخذ الفكة و وضعها في الصندوق الخيري ، مع أنه كافر ! لكن صحيحٌ هو لا ينتفع بها عند الله يوم القيامة ؛ لأن الله تعالى لا يجزي الكافر بحسناته يوم القيامة ( وَ قَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ) [الفرقان:23] لكن يعطونها في الدنيا ، إنما يؤثر فيك أن ترى كافراً يتبرع لصندوق الإغاثة ، أو لصندوق الفقراء.. و هو كافر !!
و باع الحسن -رحمه الله- بغلة ، فقال المشتري : أما تحط لي شيئاً يا أبا سعيد ؟ - اتفقوا على الثمن و رضوا ، فقال المشتري : أما تحط لي شيئاً يا أبا سعيد ؟ - قال [ لك خمسون درهماً ، أزيدك؟ ] - أي: هل تحتاج إلى زيادة ؟ - قال : لا . رضيت ، قال [ بارك الله لك] .
و هذا عين ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في الحديث و دعا ( رحم الله عبداً سمحاً إذا باع ، سمحاً إذا اشترى ، سمحاً إذا قضى ، سمحاً إذا اقتضى ) .



download.php


و قد أثنى العلماء - رحمهم الله تعالى - على الحسن بالغ الثناء :-
و لما استهل أبو نعيم في الحلية ترجمة الحسن البصري رحمه الله ، قال: "و منهم حليف الخوف و الحزن ، أليف الهم و الشجن ، عديم النوم و الوسن ، أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن ، الفقيه الزاهد ، المشمر العابد ، كان لفضول الدنيا و زينتها نابذاًَ ، و لشهوة النفس و نخوتها واقذاً " .
و الوقيذ أو الوقذ : أن يُضرب الشيء حتى يسترخي و يموت ، أو يشرف على الموت ، فكان لشهوته كابتاً .
و عن علقمة بن مرثد قال : " انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين ، فمنهم : الحسن بن أبي الحسن ، فما رأينا أحداً من الناس كان أطول حزناً منه ، ما كنا نراه إلا أنه حديث عهد بمصيبة " .
قال الحسن : [ نضحك و لا ندري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا ، فقال : لا أقبل منكم شيئاً ] .
كان مشهوراً جداً بالمواعظ ، و كانت مواعظه مؤثرة ، لأن العبارات رقيقة تخرج من القلب ، و على رسم الكتاب والسنة ،
[ ويحك يابن آدم ! هل لك بمحاربة الله طاقه ، إنه من عصى الله فقد حاربه ، و اللهِ لقد أدركت سبعين بدرياً ، أكثرُ لباسهم الصوف - أي : من زهدهم في الدنيا لا يجدون و لا يحرصون على التنعم - و لو رأيتموهم لقلتم : مجانين ، و لو رأوا خياركم لقالوا : ما لهؤلاء من خلاق ، و لو رأوا شراركم لقالوا : ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب ، و لقد رأيتُ أقواماً كانت الدنيا أهون على أحدهم من التراب تحت قدميه ، و لقد رأيت أقواماً يمسي أحدهم ما يجد عنده إلا قوته ، فيقول : لا أجعل هذا كله في بطني ، لأجعلن بعضه لله عز وجل ، فيتصدق ببعضٍ و إن كان هو أحوج ممن يتصدق به عليه ] . يعني: هذا المتصدِّق محتاج أكثر من المتصدَّق عليه ؛ لكن يجودون لله تعالى .

و في سير أعلام النبلاء يقول الذهبي : " كان الحسن سيد أهل زمانه علماً و عملاً " .
و قال ابن كثير في البداية والنهاية : " الإمام الفقيه المشهور ، أحد التابعين الكبار الأجلاء علماً و عملاً و إخلاصاً ".
و قال العوام بن حوشب : " ما أشبّه الحسن إلا بنبي " .
و عن أبي قتادة ، قال : " الزموا هذا الشيخ - أي: الحسن - فما رأيت أحداً أشبه رأياً بـعمر منه " . يعني: من رجاحة عقل الحسن شبه رأيه برأي عمر .
و يقال: إن أنس بن مالك ، قال: [سلوا الحسن فإنه حَفِظَ و نسينا ] . و هو الصحابي !
و قال مطر الوراق : " لما ظهر فينا الحسن جاء كأنما كان في الآخرة " . فهو يخبر عما عايَن . كأنه واحد كان في الآخرة ، كان في القبر و رأى البرزخ و رأى الموت و الجنة و النار ، و البعث و الميزان و الصراط ، فكأنه واحد جاء من الدار الآخرة ، فهو يخبر الناس عما رآه هناك .
فهذا يكون من شدة تمثله لما أخبر الله به عن الدار الآخرة ، كأنه جاء من الآخرة ، و هذا يدل على تأثره .
و قال قتادة : [ ما جمعت علم الحسن إلى أحد من العلماء إلا وجدت له فضلاً عليه - يعني : علم الحسن زائد - غير أنه إذا أُشْكِل عليه شيء كَتَبَ فيه إلى سعيد بن المسيب - و سعيد بن المسيب سيد التابعين - و ما جالست فقيهاً قط إلا رأيت فضل الحسن ] .
و قال أبو هلال : [ كنت عند قتادة ، فجاء الخبر بموت الحسن ، فقلت : لقد كان غُمِسَ في العلم غَمْسا ً، قال قتادة : بل نَبَتَ فيه ، و تحقَّبه، و تشرَّبه ، و الله لا يبغضه إلا حروري ] . و الحروريون هم : الخوارج ، نسبة إلى بلدة حروراء ، التي كان أول أمرهم بها ، خرجوا منها و فيها ، و لذلك لا يبغض الحسن إلا رجل من الخوارج .
و قال : [ ما كان أحد أكمل مروءة من الحسن ] . فالرجل كان بالإضافة إلى أدبه صاحب مروءة .
و عن حجاج بن أرطأة عن عطاء : قال: [ عليك بذاك - أي: الحسن - ذاك إمام ضخم يُقتدى به ] .
و قال قتادة: كان الحسن من أعلم الناس بالحلال و الحرام .
و قال بكر المُزَنِي : " مَن سره أن ينظر إلى أفقه ممن رأينا ، فلينظر إلى الحسن " .
كان في حلقة الحسن البصري التي في المسجد حديث ، و فقه ، و علم القرآن ، و اللغة ، و الوعظ ،
فبعض الناس صحبه للحديث ليسمع منه المرويات ،
و بعض الناس صحبه للقرآن ليسمع منه التفسير ،
و بعض الناس صحبه للبلاغة ليتعلم منه اللغة و الفصاحة و البيان،
و بعض الناس صحبوه للوعظ ليتعلم منه الإخلاص و العبادة .
و قال أيوب السختياني : " لو رأيت الحسن ، لقلت: إنك لم تجالس فقيهاً قط " . لنسيتَ كلام الفقهاء بجانب كلامه .
و قال الأعمش : " ما زال الحسن يعي الحكمة حتى نطق بها " . لأن الكلام الذي فيه حكمة لا يخرج إلا من رجل ارتضعها و وعاها فنطق بها .
و قال رجل لـيونس بن عبيد : " أتعلم أحداً يعمل بعمل الحسن ؟ قال : و الله ما أعرف أحداً يقول بقوله ، فكيف يعمل بمثل عمله ؟! قال: صفه لنا ، أنت رأيته...
هذه فائدة تربوية : الأجيال كانت تسأل عمن فات ، فالذي لم ير الحسن يسأل من رأى الحسن ، يقول: صفه لنا ، كيف هو ؟ كيف شكله ؟ كيف سَمْته ؟ كيف عبادته ؟ كيف وعظه ؟ هات من كلامه شي ئاً، هات من علمه.. من فقهه.. ماذا سمعت منه ؟
الآن ربما يموت العالم و يخرج رجل من جيل جديد لم يرَ هذا العالم.. هل يسأل عنه ؟ هل تراه يهتم بالجيل الذي مضى ؟!
يقول لواحد من الذين عاصروا العالم أو عايشوه : صفه لنا ، كيف سَمْته؟ كيف كلامه ؟ هات لنا مسائل مما سمعته منه ؟؟!!
نادراً!
و هذه مشكلة ؛ أن الأجيال لا تحرص على الارتباط بمن سبق، و السؤال عمن سبق !
كان الواحد من السلف إذا ما رأى رجلاً فاضلاً صالحاً عالماً ، فاته ، مات قبل أن يولد هذا مثلاً ، يسأل عنه : صفه لنا.. مهتم .
قال : كان إذا أقبل - إذا رأيته آتٍ - فكأنه أقبل من دفن حميمه - كأنه الآن دفن أحب الناس إليه ، كيف يكون وجه المصاب بالمصيبة ؟ هكذا كان وجهه من الخشوع - و كان إذا جلس فكأنه أسير قد أمر بضرب عنقه - لو أتي بالأسير ليضرب عنقه ، كيف يكون جلوسه ؟ متخشعاً ، هكذا كان جلوسه ، لم يكن جلوسه جلوس أشر و لا بطر - و كان إذا ذُكِرَت النار عنده ، فكأنها لم تخلق إلا له .
بينما بعض الناس الآن لو تليت عليهم الآيات التي فيها ذكر جهنم ، يقول : هذه للكفار ، الحمد لله نحن مسلمون ، و لا نحتاج ، و لسنا معنيين بالأمر ، مع أن الإنسان ينبغي أن يخاف على نفسه لأنه لا يدري ماذا يختم له ، فقد يُختم له و العياذ بالله بخاتمة أهل النار ،
فإذاً: لا بد أن يخاف على نفسه .
و كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة :
[ أما بعد : فإنك لن تزال تعنِّي إليَّ رجلاًَ من المسلمين في الحر و البلاد ، تسألني عن السنة كأنك إنما تعظمني بذلك ، و أيْمُ الله لحسبك بـالحسن ، فإذا أتاكَ كتابي هذا فسل الحسنَ لي و لكَ و للمسلمين ، فرحمَ اللهُ الحسنَ فإنه مِنَ الإسلام بمنزلٍ و مكان ، و لا تقريّنه كتابي هذا ] .
فعظمت هيبته رحمه الله في القلوب ، و كان أيضاً ممن يدخل على الولاة ، يعظهم و ينهاهم - كما سيأتي - .
و بعضهم ذكر الأشخاص الذين تُحسَد عليهم الأمة ، قال :
أولهم عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه .
و الثاني الحسن بن أبي الحسن البصري ، فلقد كان مِنْ دراري النجوم ، علماً و تقوىً و زهداً ، و وَرَعاً و عِفّة و و رِقّة و تألّهاً ، و تنزّهاً و معرفة و فصاحة .
و كان سليم اللسان ، نقيّ الأديم ، محروس الحريم .
يجمَع مجلسُه ضروبَ الناس ، و أصناف اللباس لِما يوسعهم مِنْ بيانه ، و يُفيض عليهم بافتنانه :
هذا يأخذ منه الحديث و هذا يُلقّن التأويل و هذا يسمع الحلال و الحرام و هذا يسمع في كلامه العربية و هذا يحكي الفتيا و هذا يتعلّم الحُكْمَ و القضاء و هذا يسمع الموعظة .
كالبحر العُجاجِ تدفّقاً ، و كالسراج الوهّاج تألّقاً ، و هو صاحب الصدر الرحب ، و الوجه الصلب ، و اللسان العذب ، بهجة العلم و رحمة التقى ، لا تُدنيه لائمة في الله .
يجلسُ تحتَ كرسيّه قتادة صاحب التفسير ، و عمرو بن واصل ، و ابن إسحاق صاحب النحو ، و فرقد السبخي صاحب الرقائق ، و هؤلاء و أشباههم و نظرائهم .



download.php


و عن خالد بن صفوان ، قال: لما لقيت مسلمة بن عبد الملك بـالحيرة ، قال : يا خالد ! أخبرني عن حسن أهل البصرة ، قلت : أصلح الله الأمير ، أخبرك عنه بعلم ، أنا جاره إلى جنبه ، و جليسه في مجلسه ، و أعلم مَن قِبَلي به : أشبه الناس سريرةً بعلانية - هذا أولاً ، السريرة تطابق العلانية ؛ لا رياء، و لا نفاق ، و لا كذب ، و لا تصنع ، و لا مجاملات - و أشبه قولاً بفعل - قوله يشبه فعله ، لا يأمر الناس بالبر و ينسى نفسه ، قوله و فعله مستويان متطابقان - إن قعد على أمر قام عليه ، و إن قام على أمر قعد عليه - و إن أمر بأمر كان أعْمَلَ الناس به ، و إن نهى عن شيء كان أَتْرَكَ الناس له - رأيته مستغنياً عن الناس ، و رأيت الناس محتاجين إليه .
قال : حسبك يا خالد ! كيف يضل قومٌ هذا فيهم ؟!
فإذاً : الصالحون و العلماء و العباد و الزهاد هم سراج وهاج يستضيء بهم الناس ، و الناس لا يهلكون و فيهم مثل هؤلاء ،
متى يهلك الناس؟
إذا انطفأت السرج ، و إذا لم يوجد أحد ينير كيف يبصر العميان ؟
و لذلك فإن وجود الدعاة في المجتمع رحمة لهذا المجتمع من عدة جهات: أولاً : أنهم من أسباب رفع العذاب عنهم : إذا وجد الصالحون و المصلحون في مجتمع فهم من أسباب رفع العذاب عن المجتمع .
ثانياً : بهم يرزقون ، و بهم يمطرون .
ثالثاً : هم مصدر العلم ، و منهم يتعلم الجهَّال .
رابعاً : هم مصدر الوعظ الذين يعظون الغافلين .
خامساً : هم مصدر القدوة .
سادساً : تنصلح أحوال الناس بمخالطتهم .
و لذلك كلما كثروا في المجتمع كان دليلاً على صلاح المجتمع و صحته ، و إذا قلوا أو انعدموا فهذا دليل على مرض هذا المجتمع أو موته .
و لذلك يجب أن نحرص على تكثير الدعاة في المجتمع ، و نفرح إذا رأينا عدد الصالحين في المجتمع يزيد ؛ لأن هذا من أسباب سعادة المجتمع ،
أما إذا رأيت الصالحين ينقرضون و يقلون و يذهبون ، و لا يأتي غيرهم ، فهذا نذير شؤم و بلاء خطير .
و بعض الناس لا يقدرون قيمة الصالحين في المجتمع ، و لذلك ينابذونهم العداء.. يجهلون قدرهم.. يذلونهم.. يسخرون منهم.. يستهزئون بهم ، لا يعطونهم ما يجب لهم من الحق ، و لا يقدمونهم في المجالس و يسمعون لكلامهم ، فلذلك ترى أمر هؤلاء الصالحين في ضعف ؛ لأن الناس لم يعرفوا قيمتهم ، و لم يعرفوا قدرهم .
و أما إذا عرف المجتمع قدر الصالحين رأيتهم يُقَدَّمون في المجالس.. يقدمون في الحديث.. يُسْمَع لكلامهم.. يُنْزَل عند رأيهم ، و يُبَتُّ حسب مشورتهم و أمرهم ،
و لذلك قال مسلمة لـخالد بن صفوان : كيف يضل قوم هذا فيهم ؟!
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
 

حكاية روح

مشرفة منتدى الصور
إنضم
25 يونيو 2011
المشاركات
9,345
مستوى التفاعل
283
النقاط
83
الإقامة
خريف الذكريات

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-color:darkred;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

download.php


أما ما كان عليه من الجرأة و الصدع بالحق ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :-

فقد جاء عن علقمة بن مرثد أنه قال :
لما وَلِي عمر بن هبيرة العراق ، أرسل إلى الحسن و إلى الشعبي ، فأمر لهما ببيت ،
و كانا فيه شهراً ، ثم إن الخصيَّ - و كان عند الأمراء هذا النوع من الناس - غدا عليهما ذات يوم ، فقال لهما : إن الأمير داخل عليكما ،
فجاء عمر بن هبيرة - الأمير - يتوكأ على عصاً له ، فسلم ثم جلس معظماً لهما ،
فقال : إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك يُنْفِذُ كُتُباً ، أعرف أن في إنفاذها الهلكة - يعني: يعطيني أوامر في الكتب لو أنفذتها ففي إنفاذها الهلكة - فإن أطعته عصيت الله ، و إن عصيته أطعت الله ، فهل تريان لي في متابعتي له فرجاً ؟ أي: هل أنا مكره ؟
فقال الحسن [ يا أبا عمرو ! - و هو الشعبي ، أجب الأمير ] .
فتكلم الشعبي ، فانحط في حِيَل ابن هبيرة ، - يعني: كأنه يلتمس له أعذاراً و أشياء -
فقال : ما تقول أنت يا أبا سعيد ؟!
قال [ أيها الأمير ! قد قال الشعبي ما قد سمعتَ ] .
قال: ما تقول أنت يا أبا سعيد ؟
فقال [ يا عمر بن هبيرة ! يوشك أن يتنزل بك ملك من ملائكة الله تعالى ، فظ غليظ ، لا يعصي الله ما أمره ، فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك .
يا عمر بن هبيرة ! إن تتقِ الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك ، و لا يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله عز وجل .
يا عمر بن هبيرة ! لا تأمن أن ينظر الله إليك على أقبح ما تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك نظرة مقت ، فيغلق بها باب المغفرة دونك .
يا عمر بن هبيرة ! لقد أدركتُ أناساً من صدر هذه الأمة كانوا و الله على الدنيا و هي مقبلة أشد إدباراً من إقبالكم عليها و هي مدبرة .
يا عمر بن هبيرة ! إني أُخوِّفك مقاماً خوَّفَكَهُ الله تعالى ، فقال( ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ) [ إبراهيم : 14 ] .
يا عمر بن هبيرة ! إن تكُ مع الله تعالى في طاعته كفاك بائقة يزيد بن عبد الملك ، و إن تكُ مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله وكََلَكَ الله إليه ] .
قال: فبكى عمر بن هبيرة ، و قام بعبرته . أي: أن البكاء متواصل - متأثر - و قام من المجلس و لا تزال عبرته فيه .
هذا ما كان من موعظة الحسن لهذا الأمير ،
و هذا كلام نادر حتى في لفظه ، و في طريقته و أسلوبه.
و لذلك من المهم أن نتعلم الأسلوب ،
و مثل هؤلاء العظماء ينبغي أن نتشبه بهم في أساليبهم .
و قد رُوِيَت هذه القصة بسياق آخر:
أن عمر بن هبيرة الفزاري والي العراق لما دخل في أيام يزيد بن عبد الملك ، استدعى الحسن البصري و محمد بن سيرين و الشعبي في سنة 103هـ
و قال: إن يزيد خليفة الله استخلفه على عباده ، و أخذ عليه الميثاق بطاعته ، و أخذ عهدنا بالسمع و الطاعة ، و قد ولاني ما ترون ، فيكتب إليَّ بالأمر من أمره ، فأقلده ما تقلد من ذلك الأمر ، فما ترون؟! - إذا أمرني بشيء فيه معصية مثلاً ؟ -
فقال ابن سيرين و الشعبي قولاً فيه تَقِيَّة .
فقال ابن هبيرة : ما تقول يا حسن ؟
فقال [ يـابن هبيرة ! خَفِ الله في يزيد ، و لا تخَفْ يزيد في الله .
إن الله يمنعك من يزيد ، و إن يزيد لا يمنعك من الله .
و أُوْشِكَ أن يُبعث إليك ملَك فيزيلك عن سريرك ، و يخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ، ثم لا ينجيك إلا عملك .
يـابن هبيرة ! إن تعص الله فإنما جعل الله هذا السلطان ناصراً لدين الله و عباده ، فلا تركبن دين الله و عباده بسلطان الله ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ] .
فأجازهم ابن هبيرة ، و أضعف جائزة الحسن .
فقال الشعبي لـابن سيرين : سَفْسَفْنا له ، فسَفْسَفَ لنا .
و الموقف من الحجاج لا شك أنه موقف صعب جداً ؛ لأن الحجاج كان يقتل على أتفه و أدنى سبب ، و اخترع أساليب في التعذيب ، و بدأ بأشياء من الظلم فتح بها أبواباً شنيعة ، و كانوا أحياناً يفعلون بالناس أفعالاً لا تخطر بالبال ، مثل: السلخ ، يأتون بإنسان يسلخونه ، يسلخون جلده عن سائر جسده سلخاً ، و ربما ولَّوا ذلك لبعض الكفرة، كما أن بعض أهل السنة أتى به أحد هؤلاء الظلمة ، فوَلَّى سلخه ليهودي ، قال لليهودي: اسلخه ، فبدأ بسلخه من الرأس ، حتى أن اليهودي رحمه ، فضربه بالسكين في قلبه فمات ، رحمه من إكمال السلخ . فكان يحصل ظلم عظيم ، و خصوصاً ممن يبطش من أمثال الحجاج !
بعث الحجاج بن يوسف الظالم إلى الحسن و قد هَمَّ به - نوى له نية سوء - فلما دخل عليه ، و قام بين يديه الحسن ،
قال [ يا حجاج ! كم بينك و بين آدم من أب ] ؟
قال: كثير .
قال [ فأين هم ] ؟
قال: ماتوا .
فنكس الحجاج رأسه وخرج الحسن .
موعظة بكلمات يسيرة جداً ، مثل هؤلاء ربما لا يمكن الكلام معهم ، فسؤالان لخص بهما المسألة كلها ، انتهت المهمة ، و هي بهذه البساطة ، و الرجل إذا كان صاحب عبادة و دين ؛ فإن الله سبحانه وتعالى يلقي في قلوب الأعداء رهبته فلا يجرءون عليه .

۩۩۩

download.php


و له رحمه الله تعالى مواعظ بالغة : منها ما وعظ بها عمر بن عبد العزيز ، من باب النصح لذلك الإمام الخليفة العظيم ، و وعظه بمواعظ ، فمنها - من الأشياء التي نُقِلَت - :
[ اعلم أن التفكير يدعو إلى الخير و العمل به ، و الندم على الشر يدعو إلى تركه ، و ليس ما يفنى و إن كان كثيراً يعدل ما يبقى و إن كان طلبه عزيزاً ، فاحذر هذه الدار الصارعة الخادعة الخاتلة ، التي قد تزينت بخدعها ، و غرت بغرورها ، و قتلت أهلها بأملها ، و تشوفت لخُطَّابها ، فأصبحت كالعروس المجلوة ، العيون إليها ناظرة ، و النفوس لها عاشقة ، و القلوب إليها والهة ، و هي لأزواجها كلهم قاتلة ، فلا الباقي بالماضي معتبر ، و لا الآخر بما رأى من الأول مزدجر ، و لا اللبيب بكثرة التجارب منتفع ، و لا العارف بالله و المصدق حين أخبر عنها مُدَّكر ، فأبت القلوب لها إلا حباً ، و أبت النفوس بها إلا ظناً ، و ما هذا منا لها إلا عشقاً ، و من عشق شيئاً لم يعقل غيره ، و مات في طلبه أو يظفر به... ] .
ثم قال له [ فاحذرها الحذر كله ، فإنها مثل الحية ؛ لين مسها ، و سمها يقتل ، فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها..] .
و أتى له بكلام في ذم الدنيا و وجوب الحذر منها ، و عدم الانغماس في نعيمها ، و أنها قد عرضت على من هو خيرٌ منا النبي عليه الصلاة و السلام فرفضها ، و رفض أن يكون ملِكاً ، و اكتفى بأن يكون عبداً رسولاً .
و أمره أن يقتدي بالأنبياء و من مضى من الصالحين .
و كان تذكيره لـعمر بن عبد العزيز بالدنيا ؛ لأن عمر بن عبد العزيز تحته الخزائن و بيت المال ، و الأموال تجري بين يديه ، و لذلك ركز على قضية الدنيا ، و مكانتها، و حقيقتها ، لأنه يحتاج أشد ما يحتاج إلى مثل هذا الكلام .
و هكذا الإنسان الداعية الحكيم ينصح كل إنسان بحسب حاله .
فأنت إذا وعظت تاجراً يحتاج أن تكلمه في فتنة المال .
و إذا وعظت طالب علم يحتاج أن تكلمه - مثلاً - في مزالق طلب العلم ، و مسألة المراءاة و خطورتها ، و العمل بالعلم ، و الحذر من أن يعلِّم الناسَ شيئاًَ و لا يعمل به .
و إذا أردت أن تعظ بائعاً في السوق تحتاج أن تكلمه عن فتنة النساء .
و إذا وعظت شاباً يحتاج أن تكلمه عن الشهوات و اتقائها .
و إذا وعظت رجلاً كبيراً حذرتَه من طول الأمل ، و وجوب حسن العمل ، و أن الإنسان إذا بلغ الستين أعذر الله إليه ، و ينبغي أن يتفرغ للعبادة .
فيؤخذ من كلام الحسن رحمه الله : أن الإنسان يعظ الشخص بحسب حاله ؛ فإذا كان صاحب سلطان ذكره بقدرة الله و قوته ، و بطشه، و انتقامه.. و هكذا ، فتكون النصيحة بحسب المنصوح له وبحسب حاله.

۩۩۩

download.php


كان الإمام الحسن البصري - رحمه الله - إماماً في عددٍ من فنون العلم ، و كان إماماً في العلم حقاً .
و من الفنون التي برز فيها رحمه الله : فن التفسير ، و لذلك نقل عنه المفسرون في تفاسيرهم كثيراً من الأقوال في آيات عديدة من كتاب الله تعالى .
1/ فمما ذكره - رحمه الله - في قوله عز وجل ( وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ) [ البقرة : 124 ] ، كان الحسن يقول [ إي و الله !
ابتلاه بأمر فصبر عليه ؛
ابتلاه بالكوكب ، و الشمس ، و القمر ، فأحسن في ذلك ، و عرف أن ربه دائمٌ لا يزول ، فوجَّه وجهه للذي فطر السماوات و الأرض حنيفاً و ما كان من المشركين ،
ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده و قومه حتى لحق بـالشام مهاجراً إلى الله ،
ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة ، فصبر على ذلك ،
فابتلاه الله بذبح ابنه
و بالختان فصبر على ذلك ] .
و ذكر المفسرون - رحمهم الله - أيضاً : أن مما ابتلاه الله سبحانه و تعالى به : سنن الفطرة ؛ خمس في الرأس ، و خمس في الجسد ( فأتمهن ) .
2- و مما ذكره رحمه الله في قوله تعالى ( وَ لَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ) [ آل عمران : 152 ] في سورة آل عمران ، في قصة غزوة أحد ، قال و قد ضرب بيديه [ و كيف عفا عنهم و قد قُتِل منهم سبعون ، و قُتِل عم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كُسِرت رباعيته ، و شُجَّ وجهه ؟ ] .
ثم يقول [ قال الله عز وجل : قد عفوتُ عنكم إذ عصيتموني ، ألا أكون استأصلتكم ] - فبيَّن أن عفو الله تعالى عنهم ، أنه لم يستأصلهم ، مع عظم المصائب التي نزلت بهم -
ثم يقول [ هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و في سبيل الله ، غضابٌ لله ، يقاتلون أعداء الله ، نُهُوا عن شيء فصنعوه ، فو الله ما تركوا حتى غموا بهذا الغم ] - و هو قتل سبعين منهم ، و ما حصل للنبي عليه الصلاة و السلام من الجراحات و ما أشيع من قتله - .
قال الحسن رحمه الله [ فأفسق الفاسقين اليوم يتجرأ على كل كبيرة ، و يركب كل داهية ، و يسحب عليها ثيابه ، و يزعم ألا بأس عليه ، فسوف يعلم !! ]
و معنى قوله : إن هؤلاء الصحابة أكرم خلق الله، و صحبوا نبي الل ه، خرجوا للجهاد في سبيل الله ، قاتلوا أعداء الله ؛ لأن بعضهم ارتكب عصياناً ، لما ترك الرماة الجبل و نزلوا ؛ ابتلاهم الله بهذا الشيء ، و هذا الغم العظيم في قتل سبعين منهم ، و اليوم أفسق الفاسقين يتجرأ على كل كبيرة ، و يظن أنه لا بأس عليه ، فكأنه يقول : خافوا الله ! هؤلاء الصحابة على عِظَمِهِم هكذا ابتلاهم الله أو غمهم بهذا الغم ، فكيف بالفسقة !
و كذلك مما نُقِل عنه - رحمه الله تعالى - في التفسير ، في ذكر آيات من كتاب الله عز وجل أشياء كثيرة جداً أوردها المفسرون ، حتى أنه لا تخلو سورة من سور القرآن في التفسير إلا و تجد للحسن رحمه الله تعالى فيها قولاً أو أقوالاً ، و هذا يدل على ضلوعه رحمه الله في التفسير ، و كان ينتهز الفرصة ليذكر من خلال تفسيره بعض الآيات بعض العظات التي يرسلها .

.:. الحسن البصري في الحديث .:.
أما بالنسبة للحديث ، فإن الحسن البصري رحمه الله و لاشك كان قد نشأ في الفترة التي كان النقل فيها من غير كتابة و تدوين ، و هي مرحلة الحفظ في الصدور ، لأنه توفي في سنة 110هـ ، و هذا الوقت الذي بدأ فيه التدوين ، و لذلك ليس للحسن كتاب صنفه في الحديث ، لأن عصر التدوين لم يكن قد بدأ بعد .
و لكن الحسن رحمه الله تعالى له مرويات كثيرة جداً ، و بعضُ الأسانيدِ التي فيها ذِكْرُ الحسنِ متصلٌ ، و بعضُها مرسلٌ ،
و الحديث المرسل كما نعلم: ما أضافه التابعي إلى النبي عليه الصلاة و السلام دون ذكر الصحابي ،
و لاشك أن المرسل عند العلماء من أقسام الحديث الضعيف ، ما عدا استثناءات يسيرة ذُكِرت في كتبهم .
فلو قال الحسن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإننا نعلم أن هذا حديث مرسل ، و أنه حديث ضعيف ،
لكنه لو ذكره بالإسناد المتصل بذكر الصحابي الذي حدثه ، أو التابعي عن الصحابي الذي حدثه فيكون الحديث عندئذٍ متصلاً صحيحاً ، ما دام أن الحسن رحمه الله قد صرح بالتحديث .
و قد سمع الحسن رحمه الله من بعض الصحابة ، مثل: أنس و سمرة رضي الله عنهما ،
و هناك قاعدة في المراسيل ، يقول الإمام أحمد رحمه الله : "مرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها ، و ليس في المرسلات شيء أَضعف من مرسلات الحسن و عطاء بن أبي رباح ، فإنهما يأخذان عن كل أحد " .
و المقصود أنه إذا قال : قال رسول الله ، فلا نستطيع بطبيعة الحال أن نحكم بصحته ، بل إنه نوع من الحديث الضعيف ، حيث أنه منقطع فيما بينه و بين النبي صلى الله عليه و سلم .
و كذلك الحسن روى عن أبي هريرة و لم يسمع منه ، و كان قد جاء هذا إلى الحجاز و هذا خرج إلى العراق فلم يتقابلا ، و التمس العلماء للحسن في قوله : أخبرنا أبو هريرة ، التمسوا له أنه يقصد أن أبا هريرة حدث أهلَ البصرة و هو منهم ، و لكن لم يكن معهم عندما حدثهم أبو هريرة .
و بعض المصطلحات : ( حدَّثنا ) و ( أخبرنا ) و ( عن ) و نحو ذلك لم تستقر من جهة معنىً مخصوص أو استعمال مخصوص إلا بعد الحسن رحمه الله تعالى .



[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]​
 

حكاية روح

مشرفة منتدى الصور
إنضم
25 يونيو 2011
المشاركات
9,345
مستوى التفاعل
283
النقاط
83
الإقامة
خريف الذكريات

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-image:url('http://www.banimalk.net/vb/backgrounds/3.gif');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-color:silver;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

download.php


اشتهر الحسن رحمه الله بالحكم و المواعظ .
و المجتمع في ذلك الوقت بدأت تنتشر فيه الحياة المادية ؛ بدأ ينتشر فيه الترف ، و ينتشر فيه الاستغراق في الملذات و الشهوات ، ثم كثرت الفتوحات ، و جاءت الأموال ، و كثير من الناس انشغل بهذه الأموال التي جاءت من الفتوحات ، و صاروا يعمِّرون العمائر ، و يزرعون ، و يشتغلون بالإماء و النساء و نحو ذلك ، فبدأ دخول الترف في المجتمع الإسلامي ؛ فكان لا بد من قيام من يغسل القلوب ، و يقوم بالوعظ ، و يذكر الناس حتى لا ينشغلوا بهذه الملذات عن العمل للآخرة.
فكانت كلمات الحسن البصري رحمه الله غاية في التأثير ، و تقدمت طائفة من مواعظه ، و نضيف إليها طائفة أخرى:
1/ كان يقول رحمه الله [ بئس الرفيقان: الدينار ، و الدرهم ؛ لا ينفعانك حين يفارقانك ] فالصديق وقت الضيق ، و هذان الرفيقان ؛ الدينار و الدرهم بئس الرفيقان هما.. لا ينفعانك حين يفارقانك ، و كذلك إذا فارق مالَه لم ينفعه ، و لكن الذي تصدق به يبقى له نفعه .
2/ و قال الحسن [ يحق لمن يعلم أن الموت موردُه ، و أن الساعة موعدُه ، و أن القيام بين يدي الله مشهدُه أن يطول حزنه ] .
3/ و قال رحمه الله تعالى[ يابن آدم ! عملك.. عملك ، فإنما هو لحمُك و دمُك ، فانظر على أي شيء تلقى عملَك ، إن لأهل التقوى علامات يُعرَفون بها :
صدق الحديث ،
و الوفاء بالعهد ،
و صلة الرحم ،
و رحمة الضعفاء ،
و قلة الفخر و الخيلاء ،
و بذل المعروف ،
و قلة المباهاة للناس ،
و حسن الخلق ،
و سعة الخَلْق مما يقرب إلى الله عز وجل ] .
4/ و قال رحمه الله [ يابن آدم! دينك.. دينك.. فإنما هو لحمُك و دمُك ، إن يسْلَم لك دينُك يسْلَم لك لحمُك و دمُك ، و إن تكن الأخرى فنعوذ بالله ، فإنها نار لا تطوى ، و جرح لا يبرأ ، و عذاب لا ينفد أبداً ، و نفس لا تموت ] .
5/ و قال هشام : سمعت الحسن يقول [ و الله لقد أدركتُ أقواماً ما طُوِي لأحدهم في بيته ثوب قط ، و لا أَمَر في أهله بصنعة طعام قط ، و ما جعل بينه و بين الأرض شيئاً قط ، و إن كان أحدهم ليقول : لوددت أني أكلت أكلة في جوفي مثل الآجُرَّة ] .
6/ و يقول [ بلغنا أن الآجُرَّة تبقى في الماء ثلاثمائة سنة ، و لقد أدركتُ أقواماً إن كان أحدهم ليرث المال العظيم و إنه لمجهود - شديد الجهد - فيقول لأخيه: يا أخي! إني قد علمت أنَّا ذو ميراث - و هو حلال - و لكن أخاف أن يفْسِد عليَّ قلبي و عملي فهو لك لا حاجة لي فيه ، فلا يرزأ منه شيئاً أبداً ، و إنه مجهود ] شديد الجهد.. شديد الجوع.. شديد الحاجة.. يرث مالاً عظيماً و يعطيه لغيره !
7/ و قال أيضاً [ يابن آدم ! جمعاً.. جمعاً.. في وعاء، و شداً.. شداً.. في وكاء، رَكوب الذلول ، و لَبوس اللين ، ثم قيل مات فأفضى و الله إلى الآخرة!! إن المؤمن عَمِل لله أياماً يسيرة فو الله ما ندم أن يكون أصاب من نعيمها و رخائها ، و لكن راقت الدنيا له فاستهانها و هضمها لآخرته ] .
8/ و قال رحمه الله تعالى [إن أفسق الفاسقين الذي يركب كل كبيرة ، و يسحب عليها ثيابه ، و يقول: ليس علي بأس ، سيعلم أن الله تعالى ربما عجل العقوبة في الدنيا و ربما أخرها ليوم الحساب ] .
9/ و قال الحسن [ رحم الله رجلاً لَبِس خَلِقاً ، و أكل كسرة ، و لصق بالأرض ، و بكى على الخطيئة ، و دأب في العبادة ] .
10/ و قال [ يابن آدم! السِّكِّين تُحَدُّ ، و الكبش يعتلف ، و التَّنُّور يُسْجَر ] . هذا في الدنيا، إذا أراد الإنسان أن يشوي خروفاً ، فإنه يسَنُّ السِّكِّين ، و يعلف الكبش حتى يسمن ، و يسجر التَّنُّور ليُنْضِج اللحم ؛ و لكنه أيضاً يصلح مثالاً و تذكيراً للعبد في الدنيا: السِّكِّين تُحَدُّ: يعني: الموت قادم. و الكبش يعتلف: الإنسان يأكل و يرتع في شهواته . و التَّنُّور يُسْجَر: يعني: جهنم .
11 / و قال مرة لشاب مر به و عليه بردة [ إِيْهٍ يابن آدم! مُعْجَبٌ بشبابه.. مُعْجَبٌ بجماله.. مُعْجَبٌ بثيابه ، كأن القبر قد وارى بدنك ، و كأنك لاقيت عملك ، فداوِ قلبك ؛ فإن حاجة الله إلى عباده صلاح قلوبهم ] .
12/ و سمع الحسن رجلاً يشكو إلى آخر ، فقال [ أما إنك تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك ] ، كأنه يشتكي القضاء أو يشتكي القدر ، فيقول له : أنت تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك ! تشتكي القَدَر إلى المخلوق !
13/ و وصف السلف ممن سبقه ، فقال [ أدركتُ من صدر هذه الأمة قوماً كانوا إذا أجَنَّهم الليل فقيامٌ على أطرافهم ، يفترشون وجوههم ، تجري دموعهم على خدودهم ، يناجون مولاهم في فكاك رقابهم ، إذا عملوا الحسنة سرَّتهم ، و سألوا الله أن يقبلها منهم ، و إذا عملوا سيئة ساءتهم ، و سألوا الله أن يغفرها لهم ] . 14/ و كان يقول [ رحم الله امرءاً خلا بكتاب الله فعرض عليه نفسه - عرض نفسه على القرآن - و قارَن ، فإن وافقه حَمِد ربه و سأله الزيادة من فضله ، و إن خالفه اعتقب و أناب و رجع من قريب، رحم الله رجلاً وعظ أخاه و أهله ، فقال : يا أهلي! صلاتكم.. صلاتكم..! زكاتكم.. زكاتكم..! جيرانكم.. جيرانكم..! إخوانكم.. إخوانكم..! مساكنكم.. مساكنكم..! لعل الله يرحمكم ؛ فإن الله تبارك و تعالى أثنى على عبدٍ من عباده ، فقال ( وَ كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ كَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ) [مريم:55] . يابن آدم! كيف تكون مسلماً و لم يسلم منك جارك ؟! و كيف تكون مؤمناً و لم يأمنك الناس ؟! ] .
15/ و قال الحسن رحمه الله حاكياً إخلاص السلف [ كان الرجل يتعبد عشرين سنة لا يشعر به جاره ، و أحدهم يصلي ليلة أو بعض ليلة فيصبح و قد استطال على جاره ] يعقد مقارنة و يقول: من مضى كان الواحد منهم يصلي و يعبد الله عشرين سنة و جاره لا يحس أنه قام ليلة أو أنه كان يتعبد ، و اليوم الواحد منا يصلي ليلة أو بعض ليلة و تراه وقد استطال على جاره [ و إن كان القوم ليجتمعون فيتذاكرون - مجموعة يجلسون يذكرون الله تعالى و يقرءون كتاب الله - فتجيء الرجلَ عبرتُه -الدمع يسبقه - فيردها ما استطاع - أي : حتى لا يظهر أمام الناس أنه خاشع و متأثر- فإن غُلب قام عنهم ، حتى لا يكون مظهراً للتأثر أمامهم ] .
16/ و عاد الحسن رحمه الله عليلاً قد شفي من علته ، فأراد أن يعظه ، فقال [ أيها الرجل! إن الله قد ذكرك فاذكره ، و قد أقالك فاشكره ] ثم قال [ إنما المرض ضربة سوط من ملَك كريم ، فإما أن يكون العليل بعد المرض فرساً جواداً ، و إما أن يكون حماراً عثوراً عقوراً ] فالمرض هذا كضربة سوط على الدابة ، فإما أن تنفع في الدبة فتجعلها تجري وتعدو ، و إما ألا تكون الدابة مِمَّا ينتفع بالضرب فتكون عثورة عقورة ؛ و لذلك شبَّهه بهذا ، و العبد إذا أصابه المرض إما أنه يتعظ و يجعل سيره إلى الله حثيثاً بعد المرض ، يحمد الله أن شفاه منه ، و إلا فإن المرض لن ينفعه و لن يزيده إلا غفلة .
17/ و قال [ المؤمن في الدنيا كالغريب، لا ينافس غيره فيها و لا يجزع من ذلها ، للناس حال و له حال ، الناس منه في راحة و نفسه منه في شغل ] .
18/ و قال أيضاً في الإنفاق في سبيل الله : [ من أيقن بالخُلْف جاد بالعطية ] إذا أيقنت أن كلَّ ما ستنفـقه فإنه معوَّضٌ و مـخلوف عليك به فإنك ستجود ، [ من أيقن بالخُلْف جاد بالعطية ] .
19/ قال الحسن للمغيرة التميمي : [ إن مَن خوَّفك حتى تلقى الأمن خيرٌ لك مِِمَّن أمَّنك حتى تلقى الخوف ] فإذا جاء واحد و خوفك بالله و باليوم الآخر فلا تتضايق منه ، هذا الذي يخوفك الآن في الدنيا حتى تلقى الأمن يوم القيامة أفضل من الذي يأتي و يعطيك من أنواع الأمل و الفسحة، و يحدثك عن أشياء تأمنك حتى تلقى خوفاً ، صحيحٌ أنك في الدنيا تسر به و بكلامه و الجلوس إليه ، و لكن ما الخير إذا كنت في الآخرة ستلقى الخوف ؟!
20/ و قال: [ كان فيمَن كان قبلكم أرق منكم قلوباً ، و أصفق ثياباً - ثيابهم أسمك ، ليس عندهم ثياب ناعمة ، ثياب سميكة ، و لكن قلوب رقيقة - و أنتم أرق ثياباً و أصفق منهم قلوباً ] ، و أنتم - يقول لجيله و من معه - بالعكس: ثيابكم رقيقة لينة ؛ و لكن القلوب صفيقة.
21/ و قال الحسن أيضاً و هو من كلامه في الأدب[ في الطعام اثنتا عشرة خصلة : أربع فريضة ، و أربع سنة ، و أربع أدب:
أما الفريضة ( الواجبة ):
1)- التسمية .
2)- استطابة الأكل ، فلا بد أن يكون الطعام حلالاً .
3)- الرضا بالموجود .
4)- الشكر على النعمة .
و أما السنة :
1)- الجلوس على الرجل اليمنى .
2)- الأكل من بين يدي الآكل . أي: يأكل مما يليه و لا يتعدى إلى ما يلي غيره .
3)- تناول الطعام بثلاثة أصابع باليد اليمنى . هذا إذا كان مِمَّا يؤكل كالثريد، أما المرق فيشرب شرباً .
4)- لعق الأصابع .
و أما الأدب :
1)- غسل اليد قبل الطعام و بعده .
2)- تصغير اللقم .
3)- إجادة المضغ .
4)- صرف البصر عن وجوه الآكلين ؛ فليس من الأدب أن ينظر إلى وجوه الآكلين و هم يأكلون أثناء الطعام ] .


download.php


الحسن البصري رحمه الله له أخبار و مناقشات و لقاءات حصلت مع بعض الناس ، و مواعظ وجهها إلى بعض الأشخاص ، منهم الخلفاء ، كما فعل مع عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، و كان بعض الناس يأتيه ليعظه مما اشتُهر عنه من الوعظ ، فكان الواحد إذا أحس غفلة أو قسوة أو أراد أن يزيد إيمانه جاء إلى الحسن .
يقول عمرو بن ميمون بن مهران : خرجت بأبي أقوده في بعض سكك البصرة ، فمررت بجدول فلم يستطع الشيخ أن يتخطاه ، فاضطجعت له فمر على ظهري ، ثم قمت فأخذت بيده ، ثم اندفعنا إلى منزل الحسن فطرقت الباب ، فخرجت إلينا جارية ، فقالت: من هذا ؟ قلت: هذا ميمون بن مهران أراد لقاء الحسن ، فسمع الحسن فخرج إليه فاعتنقه ثم دخلا ، فقال ميمون : يا أبا سعيد ! قد أنست من قلبي غلظة فاستَلِّنَّ لي منه - أي: ليِّن لي قلبي - فقرأ الحسن ( بسم الله الرحمن الرحيم ، أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) [الشعراء:105-207]. قال: فسقط الشيخ فرأيته يفحص برجله كما تفحص الشاة المذبوحة ، فأقام طويلاً ثم أفاق ، فجاءت الجارية ، فقالت : قد أتعبتم الشيخ ، قوموا تفرقوا . فأخذت بيد أبي فخرجت به ، ثم قلت: يا أبتاه! هذا الحسن ! قد كنت أحسب أنه أكبر من هذا! قال: فوكزني في صدري وكزة ، ثم قال: يا بني! لقد قرأ علينا آية لو فهمتَها بقلبك لبقي لها فيك كُلُوم - و الكلم هو: الجرح ، لبقي فيه جروح من تأثير هذه الآية - .
و كان يعرف الظَّلَمَة من غيرهم و بالذات الحجاج ، و تقدم موعظته للحجاج و موقفه منه .
و من القصص التي حدثت في هذا: أن رجلاً أتى الحسن فقال: يا أبا سعيد ! إن حلفت بالطلاق أن الحجاج في النار ، فما تقول ؟ أقيم مع امرأتي أم أعزلها ؟ ... حلف بالطلاق أن الحجاج في النار ، فإذا كان الحجاج في النار يبقى مع زوجته ، و إذا لم يكن في النار فيجب أن يفارقها ، و لكن مصير الناس لا يعلم بعد الموت ، و أهل التوحيد يدخلون تحت المشيئة ، و إذا كان كافراً فهو في النار بلا شك. فقال له الحسن [ قد كان الحجاج فاجراً فاسقاً ، و ما أدري ما أقول لك، إن رحمة الله وسعت كل شيء ] و إن الرجل أتى محمد بن سيرين فأخبره بما حلف ، فرد عليه شبيهاً بما قاله الحسن .
و إنه أتى عمرو بن عبيد ، فقال له : أقم مع زوجتك ، فإن الله تعالى إن غفر للحجاج لم يضرك الزنا .
و بطبيعة الحال فإن عقد الزواج إذا كان صحيحاً فهو باق ، فلو أن أحداً طلق طلاقاً مشكوكاً في وقوعه ، قال عبارة فيها شك ، و النكاح صحيح ، فما هو الحكم؟
الحكم أن النكاح يبقى على أصله حتى نتأكد من وقوع الطلاق .
و كان الحسن يشجع الناس على تعلم اللغة العربية ،
فعن أبي حمزة ، قال: قيل للحسن في قوم يتعلمون العربية ، قال: [ أحْسَنوا، يتعلمون لغة نبيهم صلى الله عليه و سلم ] .
و قال الحسن لـفرقد بن يعقوب : [ بلغني أنك لا تأكل الفالوذج ] - و الفالوذج نوع من الحلوى نفيس ، كان يوجد في ذلك الزمان - فقال: يا أبا سعيد ! أخاف ألَّا أؤدي شكره - يعني: ناقش هذا الرجل ، ذلك الرجل كان لا يأكل هذا النوع من الطعام النفيس ، فـالحسن سأله : سمعت أنك لا تأكل الفالوذج ! لماذا ؟ قال: يا أبا سعيد ! أخاف ألا أؤدي شكره - قال الحسن[ يا لُكَع ! هل تقدر أن تؤدي شكر الماء البارد الذي تشربه ؟ ] يعني : إذا كانت المسألة تتوقف على أننا لا نأكل أي شيء خوفاً من ألا نؤدي شكره فلن نأكل شيئاً ؛ قال: حتى الماء البارد لا نؤدي شكره ، فلذلك ليس إلا شكر النعمة ، و الاستغفار .
و من المواقف العظيمة التي دوِّنت في سيرته - رحمه الله - في معاملة أعدائه :
قيل له : [ إن فلاناً اغتابك ، فبعث إليه طبق حلوى ، و قال [ بلغني أنك أهديت إليَّ حسناتك فكافأتك ] .
و هذا موقف مؤثر و لا شك ، يحمل الخصم على الرجوع و ترك ما هو عليه .


download.php


كان الحسن رحمه الله مقاوماً للبدعة ...
و معلوم أن واصل بن عطاء رأس المعتزلة كان من تلاميذ الحسن إلى أن حدثت حادثة جعلت واصل بن عطاء يخرج بفكرة الاعتزال ، و يعتزل مجلس الحسن البصري ، و بدأت تلك البدعة .
كان واصل بن عطاء في أول أمره يجلس إلى الحسن البصري ، فلما ظهر الاختلاف
و قالت الخوارج بتكفير مرتكبي الكبائر ،
و قال أهل السنة والجماعة بإيمانهم ، أي أن معهم أصل الإيمان فهم مسلمون ، و لكن مرتكبها فاسق فاجر ، فلا يُحكم بكفر شخص إذا كان معه أصل الإيمان ، و كان ما فعله كبيرة لا تصل إلى الكفر و الشرك الأكبر ؛
فلمَّا حصل هذا خرج واصل عن الفريقين ،
و قال بالمنزلة بين المنزلتين .
فـأهل السنة و الجماعة يقولون : حكم مرتكب الكبيرة فاسق ، لكنه باقٍ على إسلامه ، لأن معه أصل الإيمان .
و قالت الخوارج : مرتكب الكبيرة كافر مخلد في النار . فلم يفرقوا بينه و بين الكافر .
و المعتزلة خرجوا بعد ذلك ، و قالوا : مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين : لا هو مؤمن و لا كافر ، و هذه بدعة ، ما هو هذا الشيء ؟! لا يوجد شيء لا مسلم و لا كافر ! لا في الجنة و لا في النار!
لما قال واصل بن عطاء هذه البدعة طََرَدَه الحسن من مجلسه ، فاعتزل عنه.
ثم تبعه عمرو بن عبيد ، و عمرو بن عبيد كان مشهوراً بالزهد ، و كان.. و كان... حتى قال الخليفة : كلكم يطلب الصيد إلا عمرو بن عبيد .
لكن عمرو بن عبيد ذهب مع المعتزلة ، فٌفِدَ ، ذهبَ مع المعتزلة ، فصار في هذه البدعة الخبيثة ...
و عليه تأسس مذهب المعتزلة من هذه البذور الفاسدة .
و سُمُّوا هم وجماعتُهم بـالمعتزلة .
و أطلق عليهم أهل السنة هذا اللقب لأنهم اعتزلوا أولاً مجلس الحسن البصري رحمه الله ، و هو إمام من أئمة أهل السنة .
و الحسن رحمه الله تعالى لا شك أنه من أهل السنة و الجماعة ، و أقواله في هذا موافقة لأقوال أهل السنة و الجماعة في الأبواب المختلفة ؛ في الأسماء و الصفات ، و أن الإيمان قول و عمل ، و الموقف من الصحابة.. و غير ذلك ؛
لكن لعل الحسن رحمه الله صدرت منه كلمة في وقت من الأوقات حُسِبَت على مذهب القَدَرِية ؛ لكنه بعد ذلك بيَّن الأمر و تراجع عن ذلك ، و لا يمكن أن يقال أبداً : إنه من القَدَرِية ،
و يمكن إذا وجد أثناء القراءة في الموضوع كلاماً يعرف الإنسان خلفية الموضوع ؛ فلعل عبارة صدرت من الحسن رحمه الله فُهِمَ منها
أن الشر ليس بقَدَر و أن الخير هو الذي بقَدَر فقط .
إن أهل السنة و الجماعة يقولون ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) [الرعد:16] و خالق الخير و خالق الشر ، و الخير و الشر كله من خلق الله تعالى و تقديره ، و إذا قلت: الله خالق للخير و ليس خالقاً للشر ، فقد جعلت للشر خالقاً آخر ، فيكون الكلام مؤدياً إلى مصيبة عظمى ، و لو زعم قائله أنه يريد تنزيه الله عن الشر و أنه لم يخلق الشر لينزهه عن الشر أو عن الرضا بالشر فهذا هراء؛ لأنه جعل للشر خالقاً غير الله ، و صارت القضية في تعدد الخالق في مسألة عظيمة ، فالله خالق الخير و خالق الشر ،
لكن إذا قلنا: إن الله خلق الشر فإنه راضٍ به سبحانه و تعالى؟
أبداً ، خلقه و خلق الشيطان فتنة ، ابتلاء يبتلي به العباد. فليس في المسألة إشكال ؛ بل هي واضحة .
لكن حصل أن نُقِلت عبارة عن الحسن رحمه الله في هذه المسألة ، و حصل نقاش بينه و بين بعض السلف و رجع عن ذلك.
و قال الذهبي في سير أعلام النبلاء :
عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال : كذب على الحسن سِربان من الناس :-
قومٌ من القَدَرِية ؛ لِيُنَفِّقُوه في الناس بـالحسن ... هم مبتدعة لو قالوا للناس: مذهبنا كذا و كذا فلا أحد سيقبل منهم ؛ لأنهم مبتدعة ، فكذبوا على الحسن ؛ لأن الحسن ثقة عند الناس ، فإذا قيل للناس: إن الحسن يقول: كذا، فإن الناس يأخذون بقوله ، فكذبوا على الحسن بأنه قال أشياء ؛ لكي يُنَفِّقُوا بدعتهم بين الناس و يروجوها .
و قومٌ في صدورهم شنَآن و بغض للحسن . فالذي افترى عليه طائفتان: طائفة تريد ترويج البدعة ، و طائفة تبغض الحسن و تكرهه ، و أنا نازلته غير مرة في القدر حتى خوَّفته بالسلطان ، فقال [ لا أعود فيه بعد اليوم ] فلا أعلم أحداً يستطيع أن يعيب الحسن إلا به ، و قد أدركتُ الحسن و الله و ما يقول - ما يقول بذلك القول - فهو قال: لا أعود بعد النقاش ، و لا يمكن أن يعاب الحسن بشيء من ذلك ألبتة ، و قد رجع عنه.
و ذكر الذهبي رحمه الله كلاماً أيضاً في الموضوع ، قال:
الحسن بن يسار مولى الأنصار و سيد التابعين في زمانه بـالبصرة ، كان ثقة في نفسه ، حجة ، رأساً في العلم و العمل ، عظيم القدر ، و قد بدت منه هفوة في القَدَر لم يقصدها لذاتها ، فتكلموا فيه ، فما التُفِت إلى كلامهم ، لأنه لَمَّا حوقق عليها تبرأ منها.
و يكفي فخراً أن الإنسان إذا تبين له خطأ كلامه أن يرجع. و قال الذهبي رحمه الله تعالى أيضاً كلاماً في مسألة تدليس الحسن رحمه الله ، و ذكرنا هذا.
و كذلك فإن ابن حجر رحمه الله في تهذيب التهذيب أيضاً قد أشار إلى المسألة ، و أمْر الحسن رحمه الله في هذا ، و أن ما نُسب إليه من القدر هو أمر قد تراجع عنه ، و بعض الناس زادوا عليه أشياء ، فيقول في تهذيب التهذيب :
كان من أفصح أهل البصرة و أجملهم و أعبدهم و أفقههم.
و روى معمر عن قتادة عن الحسن تلك الكلمة المتعلقة ، قال أيوب : فناظرته في هذه الكلمة ، فقال: لا أعود.
و قال ابن عون: سمعت الحسن يقول: [ من كذَّب بالقدر فقد كفر ] .
و الحسن كغيره من التابعين يؤمن بالقدر خيره و شره، ولئن نُقِل عنه خلاف ذلك فقد برأه العلماء من هذه التهمة سيما و قد نقل عن بعضهم أنه رجع عن ذلك. فالحمد لله صفحته بيضاء ، و لو كان قال شيئاً من هذا أخطأ فيه فقد رجع .



كان رحمه الله يهتم باللغة العربية كما أسلفنا ، و يقاوم اللحن ، و اللحن : هو الخطأ في الكلام...
جاء رجل إلى الحسن البصري فقال : يا أبا سعيد ! ما تقول في رجل مات و ترك أبيه و أخيه؟ - و الصحيح أن يقول: و ترك أباه و أخاه - فقال الحسن [ ترك أباه و أخاه ] -يصحح له اللغة في السؤال - فقال له - هذا السائل و كان فيه غفلة -: فما لأباه و أخاه ؟ - الآن السائل جاء بحرف الجر و أخطأ ثانية و الصحيح أن يقول: فما لأبيه و أخيه ! - فقال له الحسن [ إنما هو فما لأبيه و أخيه ؟ ] قال الرجل: يا أبا سعيد ! ما أشد خلافك عليَّ ! - لا بد أن تخالفني ، مرة أقول لك: أباك و تقول لي: أبيك ، و مرة أقول و أرجع إلى قولك ، فتعيب عليَّ أيضاً - قال [ أنت أشد خلافاً عليَّ ] - أدعوك إلى الصواب و تدعوني إلى الخطأ ! ...
كان في ذلك الوقت أناس قد دخلوا من الأعاجم في الإسلام و أولاد الإماء ، فصار هناك لحن في اللغة ؛ لأن هناك أناساً أمهاتهم فارسيات و من الأعاجم فحصل لحن ...
و اللحن كثير في الكلام ، تغيرت اللغة في ألسنة كثير من الناس ، فكان الحسن يقاوم ذلك.
قال رجل للحسن : يا أبي سعيد ! فقال الحسن [ أكَسَبْ الدوانيق شغلك عن أن تقول : يا أبا سعيد ؟! ] يقول : هل البيع و الشراء أشغلك عن تعلم اللغة ، صرت لا تعرف أن تقول للمنادى المنصوب : يا أبا سعيد ؟!
و قرع رجل على الحسن البصري الباب ، و قال: يا أبو سعيد ! فلم يجبه ، فقال : يا أبي سعيد ، فقال الحسن [ قل الثالثة و ادخل ] ما دام قال : يا أبو ، و يا أبي ، بقيت واحدة و هي الصحيحة ، فقال الحسن : قل الثالثة و ادخل .


download.php


حَكَى عن نفسه رحمه الله بعض الأشياء التاريخية :
قال [ كنت أدخل بيوت رسول الله صلى الله عليه و سلّم في خلافة عثمان أتناول سقفها بيدي - يعني: سقوف حُجَر النبي عليه الصلاة و السلام كانت منخفضة ، ما كان عليه الصلاة و السلام يسكن في قصور و سقوف مرتفعة - و أنا غلام محتلم يومئذٍ ] .
و حدَّث مرة عن أنس بن مالك بحديث حنين الجذع ، لما النبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب إلى جنب جذع يسند ظهره إليه ، فلما كثر الناس بنوا له المنبر و صار يصعد المنبر و يخطب عليه ، و لما خطب على المنبر أول مرة عليه الصلاة و السلام ، قال أنس : ( فسمعت الخشبة تحن حنين الواله - الخشبة التي كان يخطب عليها النبي عليه الصلاة و السلام - لما فقدت الذِّكر فقدت مكان النبي عليه الصلاة والسلام ، عندها حنت حنين الولهان - فما زالت تحن و ترتجف - مثل : الذي يبكي فإنه يرتعد - فما زالت تحن حتى نزل إليها صلى الله عليه و سلم فاحتضنها فسكنت ) و هذا حديث في البخاري معروف ، و هو من معجزات النبي عليه الصلاة و السلام .
يقول الحسن معلقا ً، كان إذا حدث بهذا الحديث بكى ، ثم قال: [ يا عباد الله! الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم شوقاً إليه ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه ] .


.:. الحسن مع الفرزدق الشاعر .:.

حصلت للحسن - رحمه الله - مع الفرزدق الشاعر قصة :
فإنه قد اجتمع معه في جنازة أبي رجاء العطاردي ، فقال الفرزدق : يا أبا سعيد ! يقول الناس: اجتمع في هذه الجنازة خير الناس و شرهم - يقصد أن الحسن خير الناس و أنه شر الناس - فقال الحسن [ لستُ بخير الناس و لستَ بشرهم ؛ لكن ما أعددت لهذا اليوم يا أبا فراس؟ ] قال : شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله " ، ثم انصرف .
و قال الأصمعي : لما ماتت النوَّار بنت أعين بن ضبيعة المجاشعي - امرأة الفرزدق - و كانت قد أوصت أن يصلِّي عليها الحسن البصري ، فشهد أعيان أهل البصرة مع الحسن ، و الحسن على بغلته ، و الفرزدق على بعيره ، فسار ، فقال الحسن للفرزدق [ ماذا يقول الناس؟ ] قال: يقولون : شهد هذه الجنازة اليوم خير الناس ؛ يعنونك ، و شر الناس ؛ يعنوني . فقال له [ يا أبا فراس ! لستُ بخير الناس و لستَ أنت بشر الناس ] ثم قال الحسن [ ما أعددتَ لهذا اليوم ؟ ] قال : شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة . فلما أن صلى عليها الحسن مالوا إلى قبرها ، فأنشأ الفرزدق يقول :

أخاف وراء القبر إن لم يعافني .:. أشد من القبر التهاباً و أضيقا

إذا جاءني يوم القيامة قائدٌ .:. عنيفٌ و سواقٌ يسوق الفرزدقا

لقد خاب من أولاد دار مَن مشى .:. إلى النار مغلول القلادة أزرقا

يساق إلى نار الجحيم مسربلاً .:. سرابيل قطران لباساً مخرَّقا

إذا شربوا فيها الصديد رأيتَهم .:. يذوبون من حر الصديد تمزقاً
فلما سمع الحسن بكى حتى بلَّ الثرى ، ثم التزمه ، و قال له [ لقد كنت من أبغض الناس إلي و إنك اليوم من أحب الناس إلي ] لما رأى شعره ، ما صار في الهجاء و الكلام المُقذع ، و إنما صار في الترقيق و هذا الكلام الذي فيه وصف النار ، التزمه رحمه الله و عانقه .
و من كلامه في الغيبة و المغتاب :
قال أصلة بن طريف: قلت للحسن: الرجل الفاجر المعلِن بفجوره هل له غيبة - أي: يحرم أن يُغتاب ؟ - قال[ لا . و لا كرامة ، إذا ظهر فجوره فلا غيبة له ] .
و قال[ ثلاثة لا تحرم عليك غيبتهم :-
1- المجاهر بالفسق.
2- والإمام الجائر.
3- و المبتدع ].



download.php


قال فرقد : دخلنا على الحسن فقلنا : يا أبا سعيد ! ألا يعجبك من محمد بن الأهتم ؟! - أي : أما تستغرب من خبر محمد بن الأهتم ؟! - قال [ ما له ؟ ] ، فقلنا : دخلنا عليه آنفاً و هو يجود بنفسه - يحتضر - فقال لن ا: انظروا إلى ذاك الصندوق فيه ثمانون ألف دينار ، أو قال : درهم ، لم أؤد منها زكاةً ، و لم أصل منها رحماً ، و لم يأكل منها محتاج . فقلنا: يا أبا عبد الله ! فلمن كنت تجمعها؟! قال : لروعة الزمان ، و مكاثرة الأقران ، و جفوة السلطان - أخاف أن السلطان يغضب عليَّ ، فلا يعطيني المقسوم ، و الأقران أكاثرهم بالمال ، و أستعد لروعة الزمان ، هذه القصة التي قيلت للحسن ، فقال الحسن - معلقاً على ذلك ، و لا يمكن أن يفوت مثله - [ انظروا من أين أتاه شيطانه ؛ خوَّفه روعة زمانه ، و مكاثرة أقرانه ، و جفوة سلطانه ] ثم قال [ أيها الوارث ! لا تُخْدَعَنَّ - يقول الآن للوارث الذي ورث الثمانين ألفاً هذه من ذلك الرجل الشحيح البخيل المقصر - كما خُدِع صُوَيْحِبُك بالأمس ، جاءك هذا المال ، لم تتعب لك فيه يمين ، و لم يعرق لك فيه جبين ، جاءك ممن كان له جموعاً منوعاً ، من باطل جمعه ، من حق منعه ] ثم قال الحسن [ إن يوم القيامة لذو حسرات ، الرجل يجمع المال ، ثم يموت و يدعه لغيره ، فيرزقه الله فيه - أي: في الوارث - الصلاح و الإنفاق - في وجوه البر - فيجد - البخيل ، المانع الحقوق - ماله في ميزان غيره فيتحسر ] - أي: يوم القيامة - .
و قال الحسن [ قدم علينا بشر بن مروان ، أخو الخليفة ، و أمير المصريين ، و أشب الناس ، و أقام عندنا أربعين يوماً ، ثم طعن في قدميه فمات ، فأخرجناه إلى قبره - يقول الآن قصة فيها موعظة ، انطباعه عن هذا المشهد ينقله إلينا ، يقول - فلما صرنا إلى الجبَّان - المقبرة - إذ نحن بأربعة سودان يحملون صاحباً لهم إلى قبره - هذا جمع عظيم مع هذا الرجل المشهور ، و ذاك واحد مسكين معه أربعة سودان يحملونه إلى قبره - فوضعنا السرير عن الجنازة فصلينا عليه ، و وضعوا صاحبهم فصلوا عليه - نحن في مكان و هم في مكان آخر في المقبرة - ثم حملنا بشر بن مروان إلى قبره ، و حملوا صاحبهم إلى قبره ، و دَفَنَّا بشراً ، و دفنوا صاحبهم ، ثم انصرفوا و انصرفنا ، ثم التفتُ التفاتة فلم أعرف قبر بشر من قبر الحبشي ، فلم أر شيئاً قط كان أعجب منه . أي: بعدما تولينا كلنا من المقبرة نظرتُ ورائي فما عرفت أياً من القبرين الذي قبر فيه بشر بن مروان - فاعتبرها موعظة ] - أي: هذه مظاهر ، لكن في النهاية صاروا في القبرين سواء، قبران متشابهان ، كلاهما في القبر.
و قال رجل للحسن : إني أكره الموت ، قال الحسن [ ذاك أنك ادخرت مالك ، و لو قدَّمْتَه لسَرَّك أن تلحق به ] لو أنفقتَه في سبيل الله لسَرَّك أن تلحق به .
و من تعليمه لرجل في المباركة بالمولود : عن عوف قال: قال رجل في مجلس الحسن : لِيَهْنكَ الفارس ، قال له الحسن [ فلعله حامِر - ما يدريك أنه فارس ! ربما يكون حَمَّاراً ، يعني: في البلادة و الغباء و عدم التدبير - إذا وهب الله لرجل ولداً فقل: شكرتَ الواهب ، و بورك لك في الموهوب ، و بلغ أشده ، و رُزقت بره ] .


download.php


كان ممن يقاوم الشرك الأصغر و الأكبر بأنواعه ...
حتى قال رجل من بني مجاشع : جاء الحسن في دم كان فينا ، فخطبهم فأجابه رجـل ، فقال : قد تركتُ ذلك لله و لوجوهكم . - هناك قضية دماء ، الحسن أراد أن يصلح فيها ، فيجعل أهل المقتول يتنازلون ، فجاء رجل من أهل المقتول ، قال : قد تركت ذلك لله و لوجوهكم - يعني : من أجل الله و من أجلكم - فقال الحسن [ لا تقل هكذا ، بل قل : لله ثم لوجوهكم ، و آجرك الله ] . أثابك الله على تنازلك ، و لكن لا تسوِّنا بالله ، تقول : تركتها لله و لكم ، لا يصلح أن تسوي بيننا و بين الله ، قل : لله ثم لكم .
و هذا نظائره كثيرة ، مثل أن تقول : لولا الله ثم فلان ، لا تقول : لولا الله و فلان ، فهي شرك ، بل لولا الله ثم فلان ، لا تجعل الخالق والمخلوق بمنزلة واحدة ، و تعطف هذا على هذا.


[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]​
 

جمانة

مشرفه سابقه
إنضم
10 مارس 2009
المشاركات
1,745
مستوى التفاعل
53
النقاط
48
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الإمام الحسن البصري نبراس علم في التقوى والورع والزهد
ومشعل وهّاج لا ينطفئ


اقتباس:
حيث لم يخرج مع أي ثورة مسلحة ولو كانت باسم الإسلام، وكان يرى أن الخروج يؤدي إلى الفوضى والإضطراب، وفوضى ساعة يرتكب فيها من المظالم ما لا يرتكب في استبداد سنين، ويؤدي الخروج إلى طمع الأعداء في المسلمين، ولأن الناس يخرجون من يد ظالم إلى ظالم
كثير من العلماء كانوا ضد الثورات التي ظهرت في بعض البلاد العربية
لأنهم يرون ما يراه الإمام الحسن , ويدركون نتاجها
,,,,,,,,,,,,,


شجون .. اختيار راقي ونافع , بارك الله فيك

حيَّاك الله وبياك أستاذي القدير إحسان الظن ..
ممتنة لك ولهذه الإطلالة الكريمة ..
شكرًا لك .
 

جمانة

مشرفه سابقه
إنضم
10 مارس 2009
المشاركات
1,745
مستوى التفاعل
53
النقاط
48
لمسة
أي كرم وأي جمال يغمر هذا المتصفح ..؟!
كم أنا سعيدة بهذه الإضافة الوافية والأنيقة !
لمسة
كلمات الشكر والامتنان عاجزة عن التعبير تجاه هذا العطاء المنهمر ..!
أسأل الله بعدد هذه الحروف وبحجم هذا العطاء وبقدر عظمة هذه السيرة أن يجزيك الله الجزاء الأمثل ..
وفقك الله ونفع الله بك وبما قدمت ياحبيبة .
 
أعلى